الجزائر – greenarea – جميلة مصاطفى أنشأت الإمارات العربية المتحدة، بالتعاون مع الجزائر، مركزا متخصصا في تكاثر وتربية طائر الحبار (أو الحبارى) المهدد بالانقراض بولاية البيض، وسمي “مركز الإمارات لتكاثر الطيور والمحميات”. مركز الإمارات لتكاثر الطيور والمحميات، هو أول محمية تقع بمنطقة البيض، وبالضبط بسيدي الشيخ على بعد أكثر من 120 كلم من البيض (900 كلم للجنوب الغربي للعاصمة)، وهي منطقة صحراوية ذات مناخ حار جدا وبيئة صعبة وقاسية، لكنها المنطقة الوحيدة بالجزائر التي اختارها هذا الطائر عشا كبيرا لحياته. ويقول القيمون على هذا المشروع لـ greenarea إن “هدف المركز هو حماية طائر الحبّار، وأن كل ما يشاع حوله مجرد أساطير لأنه طائر عادي يطلق عليه اسم دجاج الصحراء، وتكلفة تربيته في المركز تبقى باهظة للغاية، فما بالكم ببرنامج ونظام تعقبه بعد إطلاقه في الصحراء”. بدأ المركز نشاطه بتمويل من الإمارات وإدارة جزائرية عام 2007، ويوفر المركز حاليا – بحسب خبراء في برنامج الأمم المتحدة لحماية الحيوانات المهددة بالانقراض – مئات الطيور التي يتم صيدها لاحقا من قبل الأمراء الخليجيين. الحبار ورقصة التزاوج ثمة أسطورة نسجت حول هذا الطائر الفريد من نوعه وهو من السلالات المهددة بالانقراض، جميل في شكله، ومُتعب جدا في اصطياده، له مميزات خاصة، فيكفي أنه الطائر الوحيد الذي يؤدي “رقصة التزاوج” في لوحة فنية رائعة، جعلت منه قصة عشق أبدية لسكان الصحارى، حيكت حوله الكثير من الخرافات بدءا من فوائد كبده السحرية وصولا إلى الخرافات حول احتواء أحشائه على جواهر ثمينة، فما هي حقيقة هذا الطائر اللغز؟ الحبارى طيور برية يتراوح وزنها بين 1,5 و2,5 كيلوغرام، والذكور منها أكبر بصورة عامة من الإناث، وتستوطن السهول المفتوحة والمناطق شبه الصحراوية في العالم، على الرغم من أن بعض الأنواع الإفريقية تحتل مناطق تكثر فيها الأشجار الشوكية الكثيفة. وتفتقر طيور الحبار إلى وجود غدد لتنظيف الريش (الحبارى تعتني بريشها وتغطيه بمادة سهلة الإزالة تساعد مع حمام التراب على بقاء الريش نظيفا). وللذكور ريش استعراضي جميل، وتكون الأجزاء العليا عادة ذات ألوان مظللة للتخفي، أما الأجزاء السفلى فألوانها قد تكون بيضاء أو صفراء، برتقالية أو سوداء، ويزين طائر الحبار ريش الرقبة ويقوم بنفخه باستخدام نسيج تحت الجلد. تقضي طيور الحبارى أكثر أوقاتها مشياً، إلا أنها تعتبر من الطيور القادرة على التحليق بقوة وسرعة كبيرتين، وخصوصا إذا ما أحست بالخطر. طائر الحبارى في الجزائر1 بين الحقيقة والإشاعة الحبار هو طائر من بين أكثر الطيور التي تعلق بها الإنسان وأحبها. والعلاقة بين هذا الطائر البديع والإنسان في البيئة موغلة في القدم حيث تعتبر سرعة الحبارى ومناورتها وطرق التخفي من الصقر من أهم اللحظات على الإطلاق في رياضة الصيد بالصقور العريقة والتي تعتبر فولكلورا. وقال عاملون داخل المركز إن ندرة هذا الطائر جعلت الكثيرين يحيكون حوله الكثير من الإشاعات والخرافات، ومن بين تلك الإشاعات أن أحشاءه تحتوي على مجوهرات ثمينة عادة ما يصطادها هذا الطائر في رحلة بحثه عن الطعام. من جهة أخرى، تحاك أسطورة أخرى حول كبد هذا الطائر، حيث يقال إن في تناولها “فياغرا طبيعية” ولهذا يقبلون على صيده. أما العلماء والباحثون الموجودون بالمحمية فيؤكدون إنها مجرد إشاعات لا أساس لها من الصحة. ليس سهلا أن تجعل من طائر حر يعشق الصحارى والرياح الساخنة، طائرا سجينا داخل قفص حديدي وأليفا للإنسان، لكن معادلة المحمية وسهرها على تكاثر هذا الطائر اصطناعيا، مكنت من إنتاج أعداد هائلة من هذا الطائر في سبيل الحفاظ عليه من الانقراض. في البداية، يبحث العلماء عن أفضل السُبل لإنتاج حبارى في الأسر، حيث تتم أولا عملية تجميع الحيوانات المنوية من الطيور الذكور، وذلك بواسطة دمية تشبه لحد بعيد الطائر الأنثى، ويتم رميها في قفص الطائر الذكر، ليبدأ هذا الأخير في “رقصة التزاوج” ويرسم بذلك سمفونية رائعة لطائر يبدأ في نفخ ريش رقبته والدوران في شكل يشبه رقصا بديعا، وفي اعتقاده أن الدمية التي أمامه أنثى، ليتم بعدها جمع السائل المنوي، ويوضع مباشرة داخل أنابيب صغيرة. يؤخذ السائل المنوي إلى مخبر التلقيح الصناعي بالمحمية، حيث يتكفل الطبيب البيطري بعملية تحليل السائل المنوي ودراسة الهرمونات الجنسية من حيث النمو، التكاثر والبقاء على قيد الحياة، وحسب الأطباء المختصين فقد يصلح السائل المنوي للبقاء لمدة سنة، لكنه في كثير من الأحيان تُلقح الأنثى به مباشرة لأجل ضمان السلامة، ويمكن لسائل منوي لذكر طائر حبار واحد أن يلقح نحو 13 أنثى. ويتم إفراغ معلومات السائل المنوي في جهاز الكمبيوتر لأجل حفظها، وبعد دراسة السائل المنوي وتحليلها يتوجه فريق الباحثين إلى أقفاص الإناث لأجل تلقيحها اصطناعيا بالسائل المنوي بواسطة معدات هي الأخرى غاية في السلامة، لأن أي خطأ قد يجعل الأنثى لا تبيض. وعلى الرغم من أن هذه العملية صعبة فإنها تساعد على التكاثر والتكيف والبقاء لإنتاج ذرية في الطبيعة، حيث أن الجهود المبذولة من قبل الباحثين تعمل على توثيق المعلومات من جراء استخدام أساليب التكاثر الصناعي في الأسر من أجل تحسين نتائج برنامج المحافظة على الطائر وتكاثره. بعد عملية تلقيح الإناث اصطناعيا، ينتظر كل يوم صباح فريق الباحثين البيض حيث يُجمع بعناية كبيرة داخل علب مجهزة خصيصا لنقل البيض مباشرة من القفص. من البيضة إلى القفص بعد عملية تلقيح الإناث بالسائل المنوي، تكون رحلة إنتاج طائر الحبار قد بدأت حيث يتم يوميا اخذ البيض وعدم تركه داخل القفص في محاولة لحث الأنثى مجددا على المبيض، وبعدها يتم وضع البيض في حاضنات اصطناعية حيث يسهر عليها فريق آخر لأجل مراقبتها 24 ساعة يوميا وعلى مدار الأسبوع، وتوفير الجو المناسب لها لأجل الحصول على فراخ سليمة. تؤخذ الفراخ إلى أرضية من الرمل الرقيق، وذلك لأن تربية صغار الحبارى على ركائز -أرضية صناعية- يؤدي إلى حدوث إعاقة وتشوه -في الساق- وقد طور المركز أحسن وأنسب مكان للمحافظة عليها، وذلك بوضعها في أقفاص ذات أرضية مخصصة لها بعناية بالغة الأهمية تحتوي على مكيفات لأجل تأقلمها، وأرضية تحتوي على حصى رملية تساعده على النمو. يسهر فريق كامل من عمال وموظفين وباحثين وأطباء على إعداد الغذاء اللازم لصغار طيور الحبار. تتغذى معظم طيور الحبار على ما تجده في البيئة المحيطة بها، وتتضمن وجبات الحبار الجراد، صرار الليل، براعم النباتات الصغيرة، بذور الفاكهة والأزهار والحيوانات الفقارية الصغيرة وغيرها. أما صغار الحبار فتأكل أساساً الحشرات، ومن الملاحظ أن الحبارى في مناطق تكاثرها تركز على البروتينات كطعام، وذلك لبناء الشحم في الجسم للتكاثر، وأيضا قبل الهجرة إلى مناطق الشتاء، وذلك لمساعدتها على قطع المسافات الطويلة بالاعتماد على الشحم المخزن في الجسم. لكن وسط المحمية وقد خرجت الفراخ الصغيرة لتوها من البيضة، فهي بحاجة إلى البروتينات اللازمة لكبرها ونموها. لهذا يقوم مركز الإمارات لتكاثر الطيور والمحميات على جلب غذاء متكامل من بريطانيا، إلى جانب مختبر لتكاثر ديدان من البروتينات داخل مصنع مصغر لتكاثر “الديدان” يسهر عليه هو الآخر فريق من العمال مهمتهم السهر على تربية الديدان لتقدم لقمة وغذاء سهلا لطائر الحبار في الأسر. كما يطلب أصحاب المركز من السلطات الجزائرية المساعدة لمنع الصيد العشوائي لطائر الحبار. حيث أن الغاية من إنشاء هذه المحمية الخاصة والأولى من نوعها في الجزائر، يأتي بالدرجة الأولى لأجل حماية وتكاثر وتربية طائر الحبار بالمنطقة في محاولة لعدم انقراضه، ودعوة الدولة إلى التدخل لفرض رقابتها ومنع صيد هذا الطائر في ولاية البيض، حيث أن الصيادين يأتون بجوار المحمية في ولاية البيض لغرض اصطياد هذا الطائر ولفترات طويلة. الحفاظ على سلالته من الانقراض كما أنه منذ إنشاء المحمية تم إطلاق أكثر من 500 طائر حبار، ومن المنتظر أن يسعى المركز إلى إطلاق عدد أكبر من الطيور خلال المواسم المقبلة. ويعتبر مسؤولو المحمية الخاصة بهذا الطائر أن هدفها علمي بحت لا ربح من ورائه، حيث يوجد بالمحمية باحثون وأطباء وعمال من بينهم موظفون من جنسيات مختلفة، الغرض من عملهم ضمان تربية هذا الطائر وتكاثره والحفاظ على سلالته من الانقراض، حيث بدأ هذا المركز بجلب عدد محدد من البيض من الصحارى، ليتطور ويصبح محمية كبيرة ساعدت في المواسم الماضية في إطلاق أكثر من 500 طائر حبار. كما تهدف الأبحاث من جهة أخرى إلى تقليل فرص وفاة هذا الطائر في الصحارى، وإجراء دراسات علمية، اذ أن لكل طائر حبار منذ ولادته معلومات خاصة به بدءا من السائل المنوي، ثم البويضة، ثم الولادة، وتوثق كل المعلومات داخل جهاز الكمبيوتر.
المصدر : greenarea